[b]للدعاء آداب ومستحبات ينبغي مراعاتها، من ذلك:
1. أخي : اذا دعوت الله تعالى فلتبدأ أولا : بحمده والثناء عليه تبارك وتعالى .. ثم بعدها : بالصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم .. ثم ابدأ بعد ذلك في دعائك ومسألتك عن فضالة بن عبيد ( رضي الله عنه ) : قال : بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد إذ دخل رجل فصلى : فقال : اللهم أغفر لي وارحمني . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( عجلت أيها المصلي اذا صليت فقعدت فاحمد الله بما هو أهله ، وصل علي ثم ادعه ) .
قال : ثم صلى اخر بعد ذلك فحمد الله وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم .فقال له النبي صلى الله : ( أيها المصلي ادع تجب ) رواه ابو والترمذي / صحيح الترمذي : 3476) .
2. أخي :ومن آداب الدعاء الحسنة : الوضوء … حتى تقبل على الله تعالى .. طاهرا …. متهيئا لمناجاته ودعائه …
وفي حديث ابي موسى الاشعري ( رضي الله عنه : ) لما استغفر النبي صلى الله عليه وسلم لعبيد أبي عامر ، دعا بماء فتوضأ ثم رفع يديه فقال :
( اللهم أغفر لعبيد ابي عامر .. ) رواه البخاري ومسلم . والحديث طويل ) .
3- استقبال القبلة، فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: ((استقبل النبي صلى الله عليه وسلم الكعبة فدعا على نفر من قريش)) - أخرجه البخاري في المغازي (3960) ، وعن عبد الله بن زيد رضي الله عنه قال: ((خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذا المصلى يستسقي، فدعا واستسقى، ثم استقبل القبلة، وقلب رداءه)) - أخرجه البخاري (6343)، ومسلم (894).
4- اختيار أحسن الألفاظ وأنبلها وأجمعها للمعاني وأبينها، ولا أحسن مما ورد في الكتاب والسنة الصحيحة، فإن الأدعية القرآنية والأدعية النبوية أولى ما يدعى به بعد تفهمها وتدبرها؛ لأنها أكثر بركة، ولأنها جامعة للخير كله، في أشرف الألفاظ وأفضل العبارات وألطفها، ولأن الغلط يعرض كثيرا في الأدعية التي يختارها الناس، لاختلاف معارفهم، وتباين مذاهبهم في الاعتقاد والانتحال.
قال الطبراني مبينا سبب تأليفه كتاب الدعاء: "هذا الكتاب ألفته جامعا لأدعية رسول الله صلى الله عليه وسلم، حداني على ذلك أني رأيت كثيرا من الناس قد تمسكوا بأدعية سجع، وأدعية وضعت على عدد الأيام مما ألفها الوراقون، لا تروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا عن أحد من أصحابه، ولا عن أحد من التابعين بإحسان، مع ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكراهية للسجع في الدعاء، والتعدي فيه، فألفت هذا الكتاب بالأسانيد المأثورة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم" - مقدمة كتاب الدعاء للطبراني.
وقال القاضي عياض: "أذن الله في دعائه، وعلَّم الدعاء في كتابه لخليقته، وعلَّم النبي صلى الله عليه وسلم الدعاء لأمته، واجتمعت فيه ثلاثة أشياء: العلم بالتوحيد، والعلم باللغة، والنصيحة للأمة، فلا ينبغي لأحد أن يعدل عن دعائه صلى الله عليه وسلم، وقد احتال الشيطان للناس في هذا المقام، فقيَّض لهم قوم سوء، يخترعون لهم أدعية يشتغلون بها عن الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، وأشد ما في الإحالة أنهم ينسبونها إلى الأنبياء والصالحين، فيقولون: دعاء نوح، دعاء يونس، دعاء أبي بكر، فاتقوا الله في أنفسكم، لا تشغلوا من الحديث إلا بالصحيح" - انظر: شرح الأذكار لابن علان (1/17).
وقال الغزالي: "والأولى أن لا يجاوز الدعوات المأثورة، فإنه قد يعتدي في دعائه، فيسأل ما لا تقتضيه مصلحته، فما كل أحد يحسن الدعاء" إحياء علوم الدين (1/554).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وينبغي للخلق أن يدعوا بالأدعية المشروعة التي جاء بها الكتاب والسنة، فإنَّ ذلك لا ريب في فضله وحسنه، وأنَّه الصراط المستقيم، صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسُن أولئك رفيقا" - مجموع الفتاوى (1/336) " القاعدة الجليلة " .
5- التذلل والافتقار .
أخي المسلم :إذا اردت لدعائك ان يصعد حقا . فتامل في حالك وقت الدعاء ، هل انت ممن يدعون دعاء الراغب .. الراهب … المستكين .. الخاضع .. المتذلل الفقير الى ما عند ربه تبارك وتعالى ؟ .
ام انك اخي اذا دعوت دعاء غافل … لاه .
أخي :التذلل والخضوع والافتقار الى الله اثناء الدعاء له مفعول عجيب في اجابة الدعاء .
وقد غفل الكثيرون عن ذلك فتجد احدهم اذا دعا اخرج كلمات جافة لا اثر للخضوع والتذلل فيها . وقد نسي هذا انه يخاطب ملك الملوك .. المتفرد بالجلال والكبرياء …
قال بعضهم : أدع بلسان الذلة والافتقار لا بلسان الفصاحة والانطلاق .
اخي المسلم : ان اثر التذلل والخضوع على اجابة الدعاء سريع … مضمون الفائدة ولا يجد هذا الا من جربة …
[b]6- أن يترصد لدعائه الأوقات الشريفة: كعشية عرفة من السنة، ورمضان من الأشهر، وخاصة العشر الأواخر منه، وبالأخص ليلة القدر، ويوم الجمعة من الأسبوع، ووقت السحر من ساعات الليل، وبين الأذان والإقامة.
قال الله تعالى: {وَبِٱلأَسْحَـٰرِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الذاريات:18]، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا، حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول عز وجل: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له)) - أخرجه البخاري (1145)، ومسلم (758).
وعن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قيل له: يا رسول الله، أي الدعاء أسمع؟ قال: ((جوف الليل الآخر، ودبر الصلوات المكتوبات)) - أخرجه الترمذي في الدعوات (3499)، والنسائي في عمل اليوم والليلة (108)، وحسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي (2782).
7- أن يغتنم الحالات الفاضلة: كالسجود، ودبر الصلوات، والصيام، وعند اللقاء، وعند نزول الغيث.
قال ابن القيم: "((دبر الصلاة)) يحتمل قبل السلام وبعده، وكان شيخنا – يعني ابن تيمية – يرجح أن يكون قبل السلام، فراجعته فيه فقال: دبر كل شيء منه, كدبر الحيوان" - زاد المعاد (1/305).
وقال الشيخ ابن عثيمين: "الدبر هو آخر كل شيء منه، أو هو ما بعد آخره".
ورجّح رحمه الله أن الدعاء دبر الصلوات المكتوبة يكون قبل السلام، وقال: "ما ورد من الدعاء مقيداً بدبر فهو قبل السلام، وما ورد من الذكر مقيداً بدبر فهو بعد الصلاة؛ لقوله تعالى: {فَإِذَا قَضَيْتُمُ ٱلصَّلَوٰةَ فَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ قِيَـٰماً وَقُعُوداً وَعَلَىٰ جُنُوبِكُمْ} [النساء:103]" - من إملاءات الشيخ في درس زاد المعاد نقلاً عن كتاب الدعاء للشيخ الحَمد.
8- أن يستغلَّ حالات الضرورة والانكسار، وساعات الضيق والشدة: كالسفر، والمرض، وكونه مظلوما.
[b]9- رفع اليدين وبسط الكفَّين، فعن أبي موسى رضي الله عنه قال: ((دعا النبي صلى الله عليه وسلم ثم رفع يديه، ورأيت بياض إبطيه)) - أخرجه البخاري في المغازي (4323)، ومسلم في فضائل الصحابة (2498) ، وعن سلمان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن الله حي كريم، يستحي إذا رفع الرجل إليه يديه أن يردهما صفراً خائبتين)) - رواه أبو داود في الصلاة (1488)، والترمذي في الدعوات ( 3556)، وابن ماجه في الدعاء (3865)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1757).
ويشرع هذا الرفع في الدعاء المطلق، أما الأدعية الخاصة فإنه لا ترفع الأيدي إلا فيما رفع فيه النبي صلى الله عليه وسلم منها، وما لم يثبت رفعه فيه فالسنة فيه عدم الرفع، اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم.
10 - ومن الادب الحسن والذي يرجي به لصاحبه ان يستجاب دعاؤه : أن يقدم بين يدي دعائه عملا صالحا كصلاة او صيام او صدقة … الا ترى اخي ان الدعاء بعد الصلوات ارجي للاجابة . لانه وقع بعد عمل صالح ، وهو :
( الصلاة المفروضة ) وهي ارفع عمل بعد توحيد الله تعالي .
11- ومن الآداب الجملية للدعاء : ان يخفض الداعي صوته اذا دعاء …. فان الداعي مناج لربه تبارك وتعالى ، والله تعالى يعلم السر واخفي .. كما أن الداعي اذا خفض صوته كان بذلك اكثر تادبا وتذللا وخضوعا ممن رفع صوته بالدعاء .
وقد مدح الله تعالى نبيه زكريا ـ عليه الصلاة والسلام ـ بخفض الصوت في الدعاء ، فقال تعالى :
( ذكر رحمة ربك عبده زكريا اذ نادى ربه نداء خفيا ) مريم : 3.2) .
12 - ومما ينبغي أن تلاحظة من الاداب و انت تدعو الله عزوجل : اختبار الاسم الذي يليق بجلاله سبحانه وتعالى .. فتدعوه بما جاء في القرآن والسنة من أسمائه الحسنى تبارك وتعالى .. . ولا تتجاوز ذلك الى الاسماء التي لم ترد في القرآن والسنة او الاسماء التي ابتدعها المبتدعة وأهل الاهواء ..
قال تعالى (لله الأسماء الحسنى فادعوه بها ) . الأعراف : 180 .
قال الامام القرطبي ( رحمة الله ) : " سمى الله سبحانه اسماءه بالحسنى ، لأنها حسنة في الأسماع والقلوب ، فإنها تدل على توحيده وكرمه وجوده ورحمته وافضاله ) .
13- الإكثار من النوافل بعد أداء الفرائض .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
(( إن الله قال : من عادى لي وليا فقد اذنته بالحرب . وما تقرب الي عبدي بشيء احب الي مما افترضت عليه ، وما يزال عبدي يتقرب الى بالنوافل حتى احبة به فإذا احببته كنت سمعه الذي يسمع به ، به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ، ورجله التي يمشي بها ، وان سالني لاعطينه ، ولئن استعاذني لاعيذنه ..)) ( رواه البخاري .. ) .
فلتكثر اخي من النوافل فإنها ترفع مقامك في الدنيا والآخرة اما في الدنيا : فبالفوز بمحبة الله تعالي .. وهي غاية الغايات . وإذا فزت بذلك أعانك الله تعالى على طاعته ومرضاته .. فلا تسمع الا ما يرضي الله . ولا تبصر الا ما يرضي الله ،ولا تنال بيدك الا ما يرضي الله . و لاتمشي برجلك الا في مرضاته تبارك وتعالى .. ويستجيب الله دعاءك … ويعيذك من كل شيء يؤذيك …
وأما في الآخرة : فبالفوز برضوان الله تعالى ونعيمة الباقي …
[b]14- التوسل الى الله بأعمالك الصالحة التي وفقك الله إليها ..
فالعمل الصالح نعم الشفيع لصاحبة في الدنيا والآخرة اذا كان صاحبة مخلصا فيه .
قال وهب بن منية ( رحمة الله ) : العمل الصالح يبلغ الدعاء ، ثم تلا قوه تعالى :
( اليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه ) فاطر : 10 ) .
وقال بعضهم : يستحب لمن وقع في شدة ان يدعو بصالح عمله .
أخي : وخير واعظ لك في اثر التوسل بالأعمال الصالحة تلك القصة التي قصها النبي صلى الله عليه وسلم لاصحابة رضي الله عنهم وهي :
قصة الثلاثة الذين انطبقت عليهم الصخرة فسدت باب الغار الذي كانوا فيه فتوسل كل واحد منهم بعمل صالح عمله ، فكشف الله عنهم الصخرة . ( والحديث رواه البخاري
برقم : 3465) مسلم برقم : 2743).
أخي المسلم :
التوسل بالاعمال الصالحة لا يتحقق الا أهل الطاعات … الذين اضاءت انوار الصالحات من صحائفهم . فاؤلئك هم الذين اذا توسلوا الى الله تعالى باعمالهم الصالحة قبل توسلهم وكان العمل الصالح خير شفيع لهم . .
قال وهب بن منبه : مثل الذي يدعو بغير عمل كمثل الذي يرمي بغير وتر .
[/b][/b]
[/b][b][/b][/b]